فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا}
فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: خوفًا للمسافر من أذيته، وطمعًا للمقيم في بركته، قاله قتادة.
الثاني: خوفًا من صواعق البرق، وطمعًا في غيثه المزيل للقحط، قاله الحسن.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع صوت الرعد قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك
»
. الثالث: خوفًا من عقابه وطمعًا في ثوابه.
{وينشئ السحاب الثقال} قال مجاهد: ثقال بالماء.
قوله عز وجل: {ويسبِّح الرعد بحمده} وفي الرعد قولان:
أحدهما: أنه الصوت المسموع، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الرعد وعيد من الله فإذا سمعتموه فأمسكوا عن الذنوب
»
. الثاني: أن الرعد ملك، والصوت المسموع تسبيحه، قاله عكرمة. {والملائكة مِن خيفته} فيه وجهان:
أحدهما: وتسبح الملائكة من خيفة الله تعالى، قاله ابن جرير.
الثاني: من خيفة الرعد، ولعله قول مجاهد.
{ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} اختلف فيمن نزل ذلك فيه على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في رجل أنكر القرآن وكذب النبي صلى الله عليه وسلم فأخذته صاعقة، قاله قتادة.
الثاني: في أربد بن ربيعة وقد كان همّ بقتل النبي صلى الله عليه وسلم مع عامر بن الطفيل فتيبست يده على سيفه، وعصمه الله تعالى منهما، ثم انصرف فأرسل الله تعالى عليه صاعقة أحرقته. قال ابن جرير: وفي ذلك يقول أخوه لبيد:
أخشى على أربد الحتوف ولا ** أرهب نوء السِّماك والأسد

فجّعني البرق والصواعق بالفا ** رسِ يوم الكريمة النَّجُدِ

الثالث: أنها نزلت في يهودي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن ربك من أي شيء، من لؤلؤ أو ياقوت؟ فجاءت صاعقة فأخذته، قال علي وابن عباس ومجاهد.
روى أبان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تأخذ الصاعقة ذاكرًا لله عز وجل».
{وهم يجادلون في الله} فيه وجهان:
أحدهما: يعني جدال اليهودي حين سأل عن الله: من أي شيء هو؟ قاله مجاهد.
الثاني: جدال أربد فيما همّ به من قتل النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن جريج.
{وهو شديد المِحالِ} فيه تسعة تأويلات:
أحدها: يعني شديد العداوة، قاله ابن عباس.
الثاني: شديد الحقد، قاله الحسن.
الثالث: شديد القوة، قاله مجاهد.
الرابع: شديد الغضب، قاله وهب بن منبه.
الخامس: شديد الحيلة، قاله قتادة والسدي.
السادس: شديد الحول، قاله ابن عباس أيضًا.
السابع: شديد الإهلاك بالمحل وهو القحط، قاله الحسن أيضًا.
الثامن: شديد الأخذ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. التاسع: شديد الانتقام والعقوبة، قاله أبو عبيدة وأنشد لأعشى بني ثعلبة.
فرع نبع يهتز في غصن المج ** د كريم الندى عظيم المحال

قوله عز وجل: {له دعوة الحق}
فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن دعوة الحق لا إله إلا الله، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الله تعالى هو الحق، فدعاؤه دعوة الحق.
الثالث: أن الإخلاص في الدعاء هي دعوة الحق، قاله بعض المتأخرين.
ويحتمل قولًا رابعًا: أن دعوة الحق دعاؤه عند الخوف لأنه لا يدعى فيه إلا إياه، كما قال تعالى: {ضلّ من تدعون إلا إياه} [الإسراء: 67] هو أشبه بسياق الآية لأنه قال: {والذين يدعون مِن دونه} يعني الأصنام والأوثان.
{لا يستجيبون لهم بشيء} أي لا يجيبون لهم دعاءً ولا يسمعون لهم نداء.
{إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه} ضرب الله عز وجل الماء مثلًا لإياسهم من إجابة دعائهم لأن العرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلًا بالقابض الماء باليد، كما قال أبو الهذيل:
فأصبحتُ مما كان بيني وبينها ** مِن الود مثل القابض الماء باليد

وفي معنى هذا المثل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الذي يدعو إلهًا من دون الله كالظمآن الذي يدعو الماء ليبلغ إلى فيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدًا، لأن الماء لا يستجيب له وما الماء ببالغ إليه، قاله مجاهد.
الثاني: أنه كالظمآن الذي يرى خياله في الماء وقد بسط كفر فيه ليبلغ فاه، وما هو ببالغه لكذب ظنه وفساد توهمه، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه كباسط كفه إلى الماء ليقبض عليه فلا يحصل في كفيه شيء منه.
وزعم الفراء أن المراد بالماء ها هنا البئر لأنها معدن للماء، وأن المثل كمن مد يده إلى البئر بغير رشاء، وشاهده قول الشاعر:
فإن الماء ماءُ أبي وجدي ** وبئري ذو حَفَرْتُ وذو طويت

. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {هو الذي يريكم} الآية، هذه آية تنبيه على القدرة، و: {البرق} روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مخراق بيد ملك يزجر به السحاب، وهذا أصح ما روي فيه، وروي عن بعض العلماء أنه قال: البرق: اصطكاك الأجرام، وهذا عندي مردود، وقال أبو الجلد: البرق- في هذه الآية- الماء، وذكره مكي عن ابن عباس.
قال القاضي أبو محمد: ومعنى هذا القول: أنه لما كان داعية الماء، وكان خوف المسافرين من الماء وطمع المقيمين فيه عبر- في هذا القول- عنه بالماء.
وقوله: {خوفًا وطمعًا}- من رأى ذلك في الماء فهو على ما تقدم، والظاهر أن الخوف إنما هو من صواعق البرق- والطمع في المطر الذي يكون معه، وهو قول الحسن، و: {السحاب} جمع سحابة، ولذلك جمع الصفة- و: {الثقال} معناه: بحمل الماء، وبذلك فسر قتادة ومجاهد، والعرب تصفها بذلك، ومنه قول قيس بن الخطيم: المتقارب:
فما روضة من رياض القطا ** كأن المصابيح حواذنُها

بأحسن منها ولا مزنة ** دلوح تكشف أدجانُها

والدلوح: المثقلة. و: {الرعد} ملك يزجر: {السحاب} بصوته، وصوته- هذا المسموع- تسبيح- و: {الرعد} اسم الملك: وقيل: {الرعد} اسم صوت الملك وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سمع الرعد قال:
«اللهم لا تهلكنا بغضبك ولا تقتلنا بعذابك وعافنا قبل ذلك» وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره: أنهم كانوا إذا سمعوا الرعد قالوا: سبحان من سبحت له وروي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع الرعد قال: {سبحان من سبح الرعد بحمده} وقال ابن أبي زكرياء: من قال- إذا سمع الرعد- سبحان الله وبحمده، لم تصبه صاعقة.
وقيل في الرعد أيضًا إنه ريح تختنق بين السحاب- روي ذلك عن ابن عباس في غير ما ديوان.
قال القاضي أبو محمد: وهذا عندي فيه نظر، لأنها نزعات الطبيعيين وغيرهم.
وروي أيضًا عن ابن عباس: أن الملك إذا غضب وزجر السحاب اصطدمت من خوفه فيكون البرق، وتحتكّ فتكون الصواعق.
وقوله: {ويرسل الصواعق} الآية- قيل: إنه أدخلها في التنبيه على القدرة بغير سبب ساق ذلك. وقال ابن جريج: كان سبب نزولها قصة أربد أخي لبيد بن ربيعة لأمِّة وعامر بن الطفيل، وكان من أمرهما- فيما روي- أنهما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه إلى أن يجعل الأمر بعده إلى عامر بن الطفيل ويدخلا في دينه- فأبى، فقال عامر: فتكون أنت على أهل الوبر، وأنا على أهل المدر- فأبى، فقال له عامر: فماذا تعطيني؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطيك أعنة الخيل، فإنك رجل فارس»؛ فقال له عامر: والله لأملأنها عليك خيلًا ورجالًا حتى آخذك؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأبى الله ذلك وابنا قيلة»؛ فخرجا من عنده، فقال أحدهما لصاحبه: لو قتلناه ما انتطح فيه عنزان، فتآمر في الرجوع لذلك، فقال عامر لأربد: أنا أشغله لك بالحديث واضربه أنت بالسيف؛ فجعل عامر يحدثه وأربد لا يصنع شيئًا؛ فلما انصرفا قال له عامر: والله يا أربد لا خفتك أبدًا ولقد كنت أخافك قبل هذا، فقال له أربد: والله لقد أردت إخراج السيف فما قدرت على ذلك، ولقد كنت أراك بيني وبينه أفأضربك؟ فمضيا للحشد على النبي صلى الله عليه وسلم فأصابت أربد صاعقة فقتلته، ففي ذلك يقول لبيد بن ربيعة أخوه:
أخشى على أربد الحتوف ولا ** أرهب نوء السماك والأسد

فجعني الرعد والصواعق ** بالفارس يوم الكريهة النجد

فنزلت الآية في ذلك.
وروي عن عبد الرحمن بن صحار العبدي أنه بلغه أن جبارًا من جبابرة العرب بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليسلم فقال: أخبروني عن إله محمد أمن لؤلؤ هو أو من ذهب؟ فنزلت عليه صاعقة ونزلت الآية فيه.
وقال مجاهد: إن بعض اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم يناظره، فبينما هو كذلك إذ نزلت صاعقة فأخذت قحف رأسه فنزلت الآية فيه.
وقوله: {وهم يجادلون في الله} يجوز أن تكون إشارة إلى جدال اليهودي المذكور، وتكون الواو واو حال؛ أو إلى جدال الجبار المذكور. ويجوز- إن كانت الآية على غير سبب- أن يكون قوله: {وهم يجادلون في الله} إشارة إلى جميع الكفرة من العرب وغيرهم، الذين جلبت لهم هذه التنبيهات.
و{المحال}: القوة والإهلاك، ومنه قول الأعشى: الخفيف:
فرع نبع يهتز في غصن المجد ** عظيم الندى شديد المحال

ومنه قول عبد المطلب:
لا يغلبن صليبهم ** ومحالهم عدوًا محالك

وقرأ الأعرج والضحاك {المَحال} بفتح الميم بمعنى المحالة، وهي الحيلة، ومنه قول العرب في مثل: المرء يعجز لا المحالة، وهذا كالاستدراج والمكر ونحوه وهذه استعارات في ذكر الله تعالى، والميم إذا كسرت أصلية، وإذا فتحت زائدة، ويقال: محل الرجل بالرجل إذا مكر به وأخذه بسعاية شديدة.
{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ}
الضمير في: {له} عائد على اسم الله عز وجل، وقال ابن عباس: {دعوة الحق}: لا إله إلا الله.
قال القاضي أبو محمد: وما كان من الشريعة في معناها.
وقال علي بن أبي طالب: {دعوة الحق}: التوحيد. ويصح أن يكون معناها له دعوة العباد بالحق، ودعاء غيره من الأوثان باطل.
وقوله: {والذين} يراد به ما عبد من دون الله، والضمير في: {يدعون} لكفار قريش وغيرهم من العرب..
وروى اليزيدي عن أبي عمرو بن العلاء: {تدعون من دونه} بالتاء من فوق، و: {يستجيبون} بمعنى يجيبون، ومنه قول الشاعر: [الطويل]
وداع دعا: يا من يجيب إلى النِّدا ** فلم يستجبه عند ذاك مجيب

ومعنى الكلام: والذين يدعوهم الكفار في حوائجهم ومنافعهم لا يجيبون بشيء. ثم مثل تعالى مثالًا لإجابتهم بالذي يبسط: {كفيه} نحو الماء ويشير إليه بالإقبال إلى فيه، فلا يبلغ فمه أبدًا، فكذلك إجابة هؤلاء والانتفاع بهم لا يقع. وقوله: {هو} يراد به الماء، وهو البالغ، والضمير في {بالغه} للفم، ويصح أن يكون: {هو} يريد به الفم وهو البالغ أيضًا، والضمير في {بالغه} للماء، لأن الفم لا يبلغ الماء أبدًا على تلك الحال.
ثم أخبر تعالى عن: {دعاء الكافرين} أنه في انتلاف و: {ضلال} لا يفيد فيه شيئًا ولا يغنيه. اهـ.